recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

موت الحكواتي وولادة المسرح الفنون الأدائية في فلسطين 1900-1948





مع اتساع النهضة الثقافية في العالم العربي، تغيّر معنى الحكايا في فلسطين إلى غير رجعة.

أطفالٌ يتحلّقون حول قاصّ متجول يخرج لهم العجب من صندوقه؛ حكواتي يروي قصة البطل الخيالي العربي، أبو زيد الهلالي، الذي كاد أن يقتل والده الذي يجافيه؛ كراكوز الخبيث في مسرح العرائس يفشل مجدداً في خطته لبلوغ الثراء الفاحش.

كراكوز ​في ساحات القرى

يقال أن الدراما وُلدت في ساحات القرى. وحين ننظر إلى ساحات القرى الفلسطينية في النصف الأول من القرن الماضي، تبدو المقولة قابلة للتصديق: كل هذه المشاهد كانت جزءاً اعتيادياً من حياة الفلسطينيين اليومية لمئات السنين.1 في المقاهي والاحتفالات الدينية، كان الحكواتيون يسردون القصص الشعبية ومغامرات الأبطال الأسطوريين بأسلوب درامي. شخصية كراكوز السوقيّ الأبله كانت ذات شعبية خاصة في القدس، عند الكبار والصغار.2 كان كراكوز فظّاً مدركاً لحماقته. لذا، لم تكن نكاته تستهدف الآخرين فحسب، بل غباءه هو أيضاً.3 
"كان كراكوز فظّاً مدركاً لحماقته. لذا، لم تكن نكاته تستهدف الآخرين فحسب، بل غباءه هو أيضاً".
في رأي أستاذ الأدب العربي، مسعود حمدان، كان كراكوز "أحمقَ ذا وعيٍ شديد بذاته".4 على خشبة المسرح، كان عيواظ المتعجرف قاسي القلب الرفيق الدائم لكراكوز، محاولاً دوماً تهذيب صديقه الأحمق دون جدوى.5 في شهر رمضان، كان مسرح العرائس يعرض عادة مرتين في الليلة، وكان فنانو العرائس المحليون يتنافسون في دعوة مؤدّين من مدن عربية أخرى.6 
لكن في مطلع القرن العشرين، مع تطور العروض المسرحية ذات الأسلوب الغربي وبدء انتشار السينما، بدأت مشاهد العرائس هذه بالانحسار.7 "لقد أسكتَ المسرح الحكواتيين"، تقول سيرين حليحلة، الناشطة الثقافية الفلسطينية التي تعمل على إحياء فن الحكايا.8

هاملت في غزة

عام 1911، وقف هاملت على خشبة مسرح في غزة ليؤدي أول عروضه فيها.9 في ذلك الحين، كانت الكثير من المسرحيات المؤداة أعمالاً مترجمة من الإنجليزية أو الفرنسية10 وكان المسرح الفلسطيني في غالبيته هاوٍ وغير احترافي. ومع التأثر بالنهضة الثقافية العربية في تلك الفترة، خاصة في المشهد الثقافي المصري، بدأ الاهتمام بالمسرح على الطريقة الغربية بالارتفاع.11 في القدس وحيفا، صار الشعراء والكتاب والممثلون الشباب يُستضافون في الصالونات الأدبية لقراءة أعمالهم.1213
وحين بدأ بث المحطة الإذاعية الفلسطينية الأولى عام 1936، شجّع الشاعر الشهير إبراهيم طوقان، مدير برامج القسم العربي فيها، كتّاب المسرحيات والممثلين على تقديم مسرحياتهم على الهواء مباشرة. وكانت نسخة الكاتب المقدسي نصري الجوزي من قصة شمشوم ودليلة أول مسرحية تبَث على المحطة الإذاعية الفلسطينية.14

أولى الممثلات

حكاية جحا والقمر - شلبية الحكواتية by palestinian journeys

حكاية جحا والقمر - شلبية الحكواتية
قبل بروز المسرح في فلسطين بكثير، كانت الفلسطينيات حكواتيات متمرسات، يتلون القصص لبعضهن وللأطفال، لكن في منازلهن أو مساحاتهن الخاصة فحسب.15 لكن مع تنامي شعبية العروض المسرحية، بدأت بعض الرياديات الفلسطينيات التمثيل فيها.
نظراً إلى أن الممثلات كنّ قلة مبعثرة، كثيراً ما كانت الشخصيات النسائية في المسرحيات المترجمة تُحوّل إلى شخصيات رجال،16 أو يؤديها رجال في أثواب نساء.17بحسب الكاتب المسرحي نصري الجوزي، فإن العقبة الكبرى أمام الفرق المسرحية في حينه كانت "العثور على فتاة مثقفة ومهذبة تقبل -وتقبل عائلتها- أن تقف على الخشبة وتؤدي الأدوار الرومانسية التي يتطلبها المسرح".18 هذه العقبة باتت أصغر في أواسط الثلاثينيات، بعد تأسيس محطة الإذاعة الفلسطينية، إذ لم يكن على الممثلات أن يظهرن أمام جمهور حي، وكان بوسعهن استخدام أسماء شهرة عوضاً عن أسمائهن الحقيقية.19
إحدى أولى الممثلات كانت أرجنتينيةً ذات أصول عربية تتكلم العربية بلهجة أجنبية ثقيلة.20 يحكي الجوزي أيضاً عن ممثلة أخذت دور بطلة قصة حب في مسرحية عُرضت في مطلع الثلاثينيات. خلال التدريبات المسرحية، كلما كان الممثل البطل يقترب منها معلناً حبه، كانت تنهره طالبةً منه ألا يقترب، مؤكدة أن القُبل من المحال. في إحدى أمسيات العرض، وفي مسرح مكتظ بالناس، اقترب الممثل الحبيب منها، فصاحت به فجأة: "لا تقترب أكثر، لن يكون هنالك قُبل!"، ليرد متفرج في الصفوف الخلفية صائحاً: "سيُترك ذلك لوقت آخر"، إذ كان الممثل البطل في الحقيقة خطيبها.21
ما الذي يتغير لو اختلف مكان سرد القصة، سواءً أتم بثّها على الإذاعة، أو تلاوتها في الشارع في ليلة رمضانية دافئة؟ عادة ما يُصوّر أفول ثقافة الحكايا الشعبية وبروز المسرح المُمأسس في فلسطين على أنه تقدّم؛ ارتقاءٌ من الفن الشعبي الساذج إلى الفن الراقي الرفيع، وهذه نظرة يتشاركها كثيرون، من الباحثين الإسرائيليين الذي درسوا المسرح الفلسطيني أمثال ريوفين سنير،22 إلى المسرحيين الفلسطينيين أمثال نصري الجوزي.23
"الحكواتي يظهر بعداً آخر لحرية الإبداع. فهو لا يحتاج لمسرح، ولا لمعرفة بالفنون الغربية، ولا يحتاج حتى لفريق مساند".
لكن البعض لديهم رأي مختلف. سمر دودين هي مديرة مسرح ترى في الأشكال القديمة للحكايا أكثر بكثير من مجرد فلكلور. "يعتمد هذا النوع من القَصص على الارتجال"، تقول دودين، مضيفة أن ذلك "يظهر بعداً آخر لحرية الإبداع. لا يحتاج الحكواتي لمسرح، ولا لمعرفة بالفنون الغربية، ولا يحتاج حتى لفريق مساند. أحياناً، يكون كل ما لديه هو حضوره فقط". بالنسبة لها، فإن حرية الحكواتي هي ما يميزه، لغياب القيود على كيفية روايته للقصة. لذا، ترى دودين أن هؤلاء الحكواتيين يتحركون خارج أطر المجتمع الأخلاقية وأنظمة السلطة السياسية فيه.24
في رأي الناشطة الثقافية سيرين حليحلة، "هناك شيء من الديمقراطية في الحكايا. فالحكواتي حر، بوسعه أن يذهب حيث يشاء ويحادث من يشاء". وتضيف: "بوسع أيّ كان أن يسرد قصة. لست بحاجة إلى شهادة أو تصريح من الرقابة حتى تسرد قصتك". وتشير حليحلة إلى أن الجمهور يلعب دوراً كبيراً في تقاليد رواية القصص الشعبية، متفاعلين باستمرار مع الحكواتي، على عكس المسرح الغربي الكلاسيكي حيث يكون الجمهور خاملاً.25 ولم  يعر أحد اهتماماً للارتجال وتفاعل الجمهور مع المسرحية إلا في الأشكال الأكثر حداثةً وتجريبيةً للمسرح الغربي.
"يقال إن المسرح هو أبو الفنون"، تقول لنا سيرين حليحلة، "لكن الحكايا هي أم المسرح


عن الكاتب

Abu kamal

التعليقات



Facebook

إتصل بنا

Translate

جميع الحقوق محفوظة لـ

Rowwad رواد للذاكرة الفلسطينية

2017