بمناسبة عيد المرأة العالمي لا يسعني إلا أن أذكّر بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13) فالخلق من ذكر وأنثى، لا من ذكر وضلع أعوج، والمرأة ليست متاع وإنما المتاع لها كما للرجل، وقوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران 14) يخص الناس جميعاً ذكوراً وإناثاً، وحب الشهوات لا يقتصر على الذكور، و"النساء" في الآية لا يمكن إلا أن تكون من "النسيء" وليس جمع "إمرأة".
واليوم إذ تتفاوت مطالب النساء في أنحاء العالم بين المساواة في الأجور، وإدانة التحرش بكل أشكاله، إلى أنواع أخرى من الحقوق، لا تزال مجتمعاتنا أسفل السلم في هذا المجال، ابتداءً من حق المرأة في دخول ملاعب الرياضة، إلى حقها في قيادة السيارة، إلى ما هو أشد تأثيراً على المجتمع، كزواج القاصرات وجرائم الشرف والعفو عن المغتصب مقابل الزواج من الضحية، إلى حق المرأة في الطلاق والحضانة والزواج من دون ولي، والسفر دون محرم، وحقها في الإرث، وحقها في منح جنسيتها لأبنائها، وتكمن المفارقة بما ينسب للإسلام من ظلم للمرأة، مع أن الرسالة المحمدية حققت قبل 1400 عام ما يزال العالم يسعى لتحقيقه، في قفزة تاريخية نوعية، ولنا أن نقرأ قوله تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب 35) لنرى أن الأجر عند الله واحد، والجزاء وفق العمل لا وفق الجنس، والرسول (ص) بايع النسوة فيما لا نزال نناقش ترشيح النساء وحقهن في الانتخاب.
ورغم أن ظلم المرأة يحمل مسؤوليته الرجل بشكل عام، لكنها مسؤولة بشكل كبير أيضاً عما هي فيه، فإن لم تع حقوقها وتطالب بها لن تنالها، وإذا كانت القوانين في الدول لصالح الرجل فإن قوانين المنزل بيد المرأة، وتستطيع تغييرها ابتداءً من حقوق بناتها سواء من حيث التعليم وهو الأهم، إلى الأمور الأخرى، ولنتعلم جميعاً أن نقاوم المستبد من الحلقة الأضعف إلى الأقوى فالأقوى.
أما "الضرب" الذي يعتبره الشيوخ جاء في "الكتالوج" عند خلق الأنثى، فهم أولى به، لأن الذي خلقهم خلق الأنثى التي أنجبتهم، ولم يجعلها متاعاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، وهم يغفلون مثال أمنا "خديجة بنت خويلد" التي خطبت الرسول لنفسها، وكانت القوامة بيدها، فتنفق على البيت وتدبر شؤونه في حين تفرغ الرسول (ص) للدعوة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} والصالحات في الآية هن الصالحات للقوامة ولا علاقة لصلاة وزكاة بذلك، وﻷن لها القوامة فالرسول لم يتزوج إمرأة أخرى إﻻ بعد أن توفيت.
وإن كان بعض الشيوخ يعتبر ضرب المرأة أمراً مفروغاً منه، يتحايل البعض الآخر بالقول أنه "ضرب خفيف غير مبرح، كأن تضرب بالمسواك" وأقول كفاكم تضليلاً، فالتنزيل الحكيم استخدم "ضرب" بعدة معان منها الضرب في سبيل الله { ِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} والضرب في اﻷرض {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}، والضرب باﻷرجل ويعني العمل، وهناك ضرب في اﻷمثال، وأي معنى فيزيائي للضرب ذكره بمعناه المباشر مثال (هش، وكز، صك، تل) وعندما استعمل ضرب، استعمل اﻷداة {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ}، وإن كان يقصد بالضرب مفهومه الفيزيائي فهو كل أنواع الضرب التي ذكرت ونضيف إليها (صفع، ركل، رفس)، أما في القوامة فنحن عندما نقول: "ضربت الدولة بيد من حديد على المهربين" فهذا يعني أنها أخذت موقفا صارماً تجاههم، لكن الفقه الذكوري كرس ما يناسبه، وجعل المرأة "مضروبة في الدنيا" و"حطب جهنم" في الآخرة، ثم تشدق رجاله على الفضائيات بالقول أن الإسلام كرم المرأة، وهم وتفسيراتهم أشد البعد عن الإسلام.
وفي ظل هذا التزوير، على المرأة أن تعي حقوقها وواجباتها، وأن تمكن نفسها من الاستقلال الاقتصادي، بحيث لا تترك للرجل التحكم في حياتها ومصيرها، والعلم هو الخطوة الأساسية كي تحفظ كرامتها، فالله تعالى وضع القوامة بيد الأفضل، ثم {َبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وفي بلدان كبلادنا يسود فيها الاستبداد علينا تخفيف وطأته قدر الإمكان، فلا تحمله النساء مضاعفاً.